الثلاثاء، 17 فبراير 2009

خطورة ابتلاع الـ (طعم) الإعلامي
لأهل العلم والدعوة في دين الإسلام مزيَّة عن غيرهم ودرجة عالية ومرتبة سامقة، ويكفي أنَّ الله عزَّ وجل قال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: من الآية 9) ويقول: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: من الآية 28) وبقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ (فصلت: من الآية 33) وبقوله صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه غير أنَّه لا ينقص من أجورهم شيئًا" إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على منزلة العلم وفضل الدعوة إلى الله.

لكنَّ المشكلة الكبيرة أنَّ بعض أهل العلم والدعوة قلَّما يكون لديهم خارطة واضحة في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وعن كيفية الجواب على سؤال ذلك الإعلامي الذي قد يكون همَّه الوصول إلى التشويش أو التشويه لأهل العلم والفضل، فحين يعثر على بغيته تجده ينشر ذلك الرأي عبر وسائل الإعلام، لكي يحصل بذلك التندر بأقوالهم، والتحدث عنهم، وتشويه صورتهم وقد تكون هذه الفتوى مبتورة أو ذلك الرأي ناقصًا أو يكون هو بعينه رأي ذلك الشيخ أو الداعية ولكنَّها تعد زلة أو زيغة من حكيم وما أشبه ذلك.

مع أنَّه في الواقع يجدر بمَن يعمل في هذه الوسائل الإعلاميَّة أن يتقي الله عزَّ وجل في نقله، ويحذر من إلقاء التهمة على ذلك الرمز العلمي إلاَّ بعد التأكد والتريث، فضلاً عن دراسة نشر ما نُسٍبَ لذلك الرمز، وما أحسن كلام الإمام ابن حجر العسقلاني حين قال: "إنَّ الذي يتصدَّى لضبط الوقائع من الأقوال والأفعال والرجال: يلزمه التحري في النقل فلا يجزم إلاَّ بما يتحقَّقه، ولا يكتفي بالقول الشائع ولا سيَّما إن ترتب على ذلك مفسدة من الطعن في حق أحد من أهل العلم والصلاح" (2).

نعم! قد تحصل مزالق فقهيَّة أو زلاَّت من بعض المنتسبين للعلم والدعوة، ولا شك أنَّ كل بني آدم خطَّاء، وأنَّ العالم أو الداعية يجوز عليه الخطأ كما يجوز على غيره، وأنَّ العلماء أو الدعاة ليسوا معصومين من الوقوع في الخطأ أو الرأي، لكنّي لا أستغرب أو أتعجب أن تكون هنالك خطة مبرمجة لتشويه الرموز العلمية والدينية في بلدان المسلمين، (وليس ذلك تأثرًا بما قد يظنُّه الظان بنظرية المؤامرة)؛ وذلك أنَّنا نلاحظ من بعض الوسائل الإعلاميَّة التركيز في أخبارها على بعض السقطات والزلاَّت التي تخرج من بعض العلماء والدعاة، فحين يعلم ذلك الصحفي أو الإعلامي أو يتنامى إليه قول غريب يقول به ذلك الشيخ أو العالم لكي يهرع إليه طالبًا منه مقابلة صحفية عبر صحيفة أو فضائيَّة ليستفتيه في بعض الآراء أو يأخذ رأيه في بعض المسائل المهمة، ويكون المقصد هو الولوج لتلك المسألة ليقول الشيخ أو الداعية قولته، فيطير بها ذلك الإعلامي مشيعًا لها في وسائل الإعلام، ويتم المراد من تشويه الرموز الإسلامية واحدًا بعد الآخر.

من اليقين أنَّ هنالك بعض الرموز العلميَّة الذين وعوا أهميَّة وسائل الإعلام وضرورتها لجميع الناس، بيد أنَّهم قبل اتصال أيَّة جهة إعلامية بهم يطلبون منها التريث قبل الموافقة المباشرة، ويتحروا عنها وعن الذي سيحاوره أو يطلب منه اللقاء، ويدرس ذلك الرمز منهجيَّة البرنامج ولو بحلقتين أو ثلاث حلقات سابقة، لكي تكون لديه دربة ودراية بالمحيط الإعلامي الذي سيرتاده، حتى لا توقعه المطبَّات الإعلاميَّة بحرج بالغ، ويكون لديها ما تريد، والرسالة التي كان يسعى هذا الرمز العلمي لتوصيلها تضيع بين سؤالات المذيع، بل هنالك بعض الفضلاء من أهل العلم والفكر يقومون بأخذ دورات مهنيَّة في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام سواء في دروس أو محاضرات أو تصريحات أو لقاءات وما شاكل!.

ومن جميل ما يذكر في هذا المجال تفطُّن أحد الدعاة المعاصرين قبل وقوعه في ما لا تحمد عقباه إذ إنَّ إحدى القنوات الفضائيَّة طلبته لكي يكون ضيفًا فيها، ولم يخبروه بطبيعة البرنامج بل قالوا إنَّ هنالك حوارًا مع فضيلته عبر البث المباشر فحين همَّ الشيخ بالدخول إلى الإستوديو وجده مليئًا بالفتيات المتبرجات الجميلات، فرفض الشيخ الدخول لمكان إقامة البرنامج، وقال لمحاوره والله يا أخي لا أحب الفذلكة بأن أكذب عليك وأقول إني آمن الفتنة على نفسي وأنا في هذا الاستوديو فأنا أعرف نفسي وقد قال محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، فاسمح لي أن أعتذر منك في عدم الدخول. فقال له المذيع: يا شيخ نحن على الهواء مباشرة فأجاب الشيخ ذلك المذيع قائلاً له: (إن شاء الله تكون الحلقة مَيَّة مش هواء مستحيل أدخل)، فقال له المذيع الشيخ فلان وعلان يدخل ولا يرى في الأمر بأسًا، فقال له الشيخ: لن أدخل وما لي بذلك الشيخ وأنا رجل ضعيف، ثمَّ إني أرى أنَّ ذلك لا يليق مني وأنا الذي يعظ الناس، فمثلي وأنا جالس أمام هؤلاء النساء المتبرجات كشخص كانت أمامه فتاة ترقص وهو ينظر لها ويقول استغفر الله، استغفر الله...!!

كان هذا موقف الشيخ محمد حسَّان مع إحدى القنوات الفضائيَّة، وفي الحقيقة أنَّ موقف من الشيخ هذا، سيجعل القناة تتعرَّف على فكره ومنهجه ويكون لديها خلفيَّة في التعامل مع المشايخ فيما بعد قبل أن يطلبوا منهم أيَّة مشاركة إعلاميَّة، فهنالك حدود يستحيل أن يتعدَّاها الشيخ ولو كان ذلك كما يقال لمصلحة الدعوة، فهذه الحدود هي حدود الله من ولجها أثم، ومن ابتعد عنها كان على منهج قويم.